READ THIS IN ENGLISH
أبدأ حديثي وكلامي بالتّرحيب بكل من سيقرأ هذا التّقرير.
بعد تفشّي هذا الوباء، الذّي يسمّى فيروس كورونا، في لبنان وظهور آثاره الخطيرة التي تسبّب أعراض صحيّة قد تؤدي إلى الوفاة، حُجرت جميع النّاس في منازلهم وانقطعوا عن بعضهم البعض، حيث لم يتبقى لدينا سبل للتّواصل إلا وسائل التّواصل الاجتماعي المتعددة. وهذا كان مزعجًا للغاية لأننا نعرف أن الحياة الاجتماعية تلم شمل أفراد العائلة جميعًا. لذلك كان لهذا الانقطاع سلبيات كثيرة، منها أننا لا نستطيع أن نقوم بواجبنا العائلي في مناسبات الأفراح أو الأحزان وأصبحنا نقوم بواجباتنا العائلية ضمن العائلة الواحدة فقط لا غير، وذلك يؤدي إلى تفكّك كبير وتباعد الأسر والمجتمعات عن بعضها البعض.
أدّى الحجر المنزلي إلى زيادة استخدام وسائل التّواصل الاجتماعي بغية مشاهدة وسماع القصص القديمة مثلًا. ونستطيع القول أننا قد اكتسبنا الخبرة الاجتماعية من خلال تواجدنا مع جميع أفراد العائلة، وإعادة مجد الزّمن القديم الذي تحدّث عنه أجدادنا وأهالينا، حيث كانت العائلة تبقى متواجدة دائمًا في المنزل. الأب يعمل في الأراضي بمفرده وباقي أفراد العائلة كالأم والأطفال كانوا دومًا موجودين في المنزل، كونهم لا يعملون ولا يتلقون تعليمهم في المدارس والجامعات بسبب قلّة الوعي الثقافي وعدم القدرة على تحمّل مصاريف التّعليم.
بهذه القصص ننمّي أفكار أبنائنا عن طرق العيش في الأيام الماضية القديمة، والفرق ما بين الماضي والحاضر.
البقاء في المنزل وكثرة الشّائعات حول فيروس كورونا له تأثيرات سلبية على الصّحة النّفسية والجسدية. وهذا ما زاد التّوتر العصبي عند الأولاد خاصّة، وعن ما هو بانتظارهم خلال الأيام المقبلة وماذا ينتظرنا في المستقبل.
لذلك حاولت واستطعت رغم كل شيء أن أتخطّى هذا الرّوتين والشّعور السّلبي بواسطة عدة أساليب اعتمدتها خلال هذا الحجر، مثل تخصيص وقت للدّراسة والصّلاة، وممارسة الألعاب الجسدية والإلكترونية، والتّحديات والإبتكارات والرّبح والخسارة كي لا نمل من طول الوقت.
أثناء تواجدنا في الحجر المنزلي، تعززت لدينا المعلومات السّياسية كوننا نتابع الأخبار في وقتها الخاص وأثناء بثّها المباشر على التّلفاز وعن طريق التّواصل الاجتماعي أيضًا مثل الواتس آب والفايسبوك. وكان من الممتع جدًا متابعة التحرّكات اليومية بين الأشخاص التي تساعد بعضها البعض، مثلًا في تقديم كل ما يلزم للأشخاص الذين تضرروا في الحجر المنزلي ولم يكن باستطاعتهم الذّهاب إلى عملهم وتأمين حاجياتهم اليومية.
وباء كورونا والحجر المنزلي كانا لهما تأثيرات كثيرة على جميع العمّال الذين توقفت أعمالهم في البنية التّحتية للبلدة بما في ذلك لمّ النّفايات من المستوعبات الخاصة بها وتنظيف الطّرقات من الأوساخ. صارت النّاس ترسل نفاياتها الى الطّريق لكي تبعدها عن منازلها ويتم حرقها بين الفترة والفترة.
أصبحت طريقة العيش محدّدة جدًا، وهذا ما جعلني أهتم بالأمور العائلية وبجميع أفراد العائلة أكثر فأكثر. وأصبحنا نقوم بالمساعدة المنزلية كبارًا وصغارًا ونتشارك في تجهيز طعام الغداء والعشاء يوميًا. ونمارس أيضًا المطالعة والرّياضة المنزلية المفضلة، وكل شخص ينمّي موهبته الخاصّة حسب هواياته. فمثلًا ابني يلعب الكرة في حديقة المنزل وابنتي تلهو في التّلفون واللابتوب. أما زوجتي فتابعت عملها كونها تعمل في مجال التّمريض.
وكما يعلم الجميع، إن التّمارين الرّياضية تحسّن الصّحة البدنية وتساعد في تحسين الصّحة العقلية للأطفال والكبار، لذا قمنا بممارسة الأنشطة الرّياضية في البيت من خلال متابعة البرامج الرّياضية على التّلفاز وشبكة الإنترنت.
إحدى التّحديات التي واجهت النّاس أثناء تفشّي وباء كورونا كانت تعطيلهم من العمل. لذا أُرسلت مساعدات غذائية من رئيس السّلطة الفلسطينية للشّعب الفلسطيني بأكمله في لبنان، وكنت من أحد المتطوعين الذين ساعدوا في العمل الإنساني لتوزيع الحصص الغذائية. وكانت فرحة النّاس كبيرة جدًا.
كما أشعر بأنني أقرب وأقرب من زوجتي في الحجر المنزلي نظرًا لانشغالنا في السّابق في أعمالنا اليومية.
بالإضافة إلى أنني قدّمت الدّعم المعنوي للعائلة والأصدقاء عبر وسائل التّواصل والاتصالات الهاتفية كي أشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وقد كان هذا الأمر يبعث على الشّعور بالرّضا وهو مؤشّر إيجابي بحد ذاته.
خلقت الأجواء المناسبة لتشعر العائلة بالرّاحة النّفسية ومنها:
الاستماع للموسيقى والاسترخاء والتّأمل .
اللّعب والمرح مع الأولاد .
الرّسم على أنواعه.
التّواصل عبر الإنترنت مع الأقارب والأصدقاء.
وقمنا أيضًا ببعض الخطوات التي قد تجعل التّعايش القسري الطّويل أكثر متعة نوعًا ما بالنسبة للجميع، وقد يكون هذا الأمر بمثابة فرصة رائعة للوالدين والأطفال وينبغي اغتنامها جيدًا.
ولن ننسى أبدًا أنّ سنة 2020 سوف تدوّن في كتب التّاريخ المستقبلية التي ستتناول أيضًا طرق الحجر المنزلي التي قامت بها جميع الدّول حفاظًا على شعوبها.
والآن... قبل الختام، أريد أن أخبركم عن مشاهدٍ برأيي هي مأساوية للغاية ولا يستطيع القلب أو العقل تحملها. فأثناء الحجر الصّحي المنزلي، شاهدت من نافذة المنزل الكثير من الأطفال يتردّدون دائمًا إلى حاويات النّفايات بقصد التّفتيش عن الطّعام نظرًا لوضعهم العائلي والمادي الرّدئ والمأساوي، من دون الاهتمام والأخذ بالحسبان الحالة الوبائية التي تمر بها البلاد. وكأنهم يريدون أن يوصلوا فكرة للبشر بأن لا شيء يقف أمام الفقر وضيق الحال. وهذا الشيء يوجعني في الصّميم، فبالرّغم من تقدّم المجتمعات والتّوصل إلى ابتكارات كبيرة وتطوّر على جميع الصّعد، ما زال لدينا الكثير من الفقر وقلّة وعي صّحي وثّقافي.
وأخيرا أتقدّم بكلمة شكر وتقدير لجميعية كاتالتيك آكشن التي أتاحت لنا فرصة المشاركة في هذا التّقرير.
الباحث مؤيد راتـب حمدالله
مؤيد حمدالله ، 44 سنة، محاسب وتاجر ، فلسطيني يعيش في بر الياس